أعاد حضور ناصر الزفزافي جنازة والده بالحسيمة إلى الواجهة صورة حراك الريف التي طبعت الذاكرة الجماعية قبل سنوات، بعدما رددت الحشود المشاركة شعارات تطالب بالحرية له ولرفاقه، في مشهد حمل رسائل سياسية غير مباشرة، أربكت حسابات المنتخبين المحليين وفتحت باب التساؤل حول مستقبل الخريطة السياسية بالإقليم.
فخلال هذه اللحظة الاستثنائية، لم يتردد الزفزافي في توجيه خطاب قصير إلى الجماهير، أكد فيه على وطنية أبناء الريف واستعدادهم للتضحية من أجل الوطن من شماله إلى جنوبه، وهو ما قرأه عدد من المتتبعين كإشارة قوية إلى إمكانية تحوله، في حال الإفراج عنه، إلى فاعل سياسي قد يستقطب شريحة واسعة من الشباب والساخطين على الأداء السياسي التقليدي.
المنتخبون المحليون وجدوا أنفسهم أمام معادلة صعبة؛ فمن جهة، لم يعد بإمكانهم تجاهل الشعبية التي ما يزال الزفزافي يحتفظ بها بين فئات واسعة من الساكنة، ومن جهة ثانية، يواجهون خطر فقدان مواقعهم إذا ما تحوّل حضوره الرمزي إلى مشروع سياسي منظم. هذا السيناريو، الذي يراه بعض المراقبين محتملا، قد يغير موازين القوى ويعيد رسم الخريطة السياسية بالحسيمة.
وفي الوقت الذي يقرأ فيه سياسيون خطاب الزفزافي بقلق، يرى آخرون أن عودته – في حال تحقق العفو – قد تمثل فرصة لإدماج طاقة شبابية جديدة في الحقل السياسي، شريطة أن تتوفر الإرادة لفتح قنوات التواصل والاعتراف بدور الفاعلين الجدد.
وبين المخاوف من عودة الزفزافي كرقم صعب في المعادلة السياسية، والرهان على استثمار حضوره في تجديد الحياة السياسية، يبقى الثابت أن جنازة والده لم تكن مجرد حدث إنساني، بل محطة كشفت عن عمق التحولات التي يشهدها الوعي السياسي بالريف، وعن هشاشة التوازنات التي يستند إليها المشهد الحزبي بالإقليم.
غير أن الملاحَظ في مشهد الجنازة أن أغلب الشباب الذين رددوا الشعارات لا ينتمون إلى أي تنظيم حزبي أو إطار سياسي منظم، وهو ما يعكس هشاشة الوساطة الحزبية بالمنطقة. هذا المعطى يطرح تحدياً مضاعفاً على الدولة والأحزاب معاً، إذ قد يدفع في اتجاه البحث عن شخصية أو إطار قادر على استيعاب هذه الطاقات وإقناعها بالانخراط الإيجابي في العمل السياسي، حتى لا تبقى خارج المؤسسات وتظل تعبر عن نفسها فقط في لحظات استثنائية.