تعيش العديد من المناطق التابعة للجماعات الترابية كتامة وإساكن وعبد الغاية السواحل وشقران، بإقليم الحسيمة، ظروفا مناخية استثنائية، بسبب البرد الشديد، إذ انخفضت درجة الحرارة بشكل غير عاد، خاصة أثناء الليل وفي الصباح الباكر، ما ضاعف من معاناتهم.
أصبح هاجس المواطنين بهذه المناطق في ظل هذه الظروف، الحصول على حطب التدفئة الذي بات أمرا يستدعي القيام برحلة للبحث عنه أو الترامي على الملك الغابوي لقطع الأشجار، أمام غياب محلات لبيع هذه المادة للمواطنين، لاقتناء كميات منه، قصد تأمين حاجياتهم طيلة فصل الشتاء لمواجهة موجة البرد التي تجتاح المنطقة، في انتظار تساقطات ثلجية تزيد من متاعب السكان.
أعمال شاقة
لا يجد سكان العديد من الدواوير بمناطق كتامة وإساكن وبني حذيفة وتامساوت وتبرانت وعبد الغاية السواحل وشقران، للتدفئة إلا مايوفرونه بجهودهم الخاصة من وسائل تقليدية وضعيفة وغير كافية للوفاء بحاجياتهم.
وتختلف طرق تعامل سكان جبال الريف مع الظروف المناخية السيئة التي تعيشها كلما انخفضت درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر، سيما بدواوير وتجمعات متناثرة، خاصة عند أسفل بعض الجبال وفي قممها.
وإذا كانت الأسر الميسورة محظوظة بتوفرها على إمكانيات شراء وسائل التدفئة بالكهرباء والغاز، فإن جل الأسر متوسطة الدخل أو الفقيرة، تعتمد على وسائل تقليدية في التدفئة بالبحث عن الحطب أو اقتنائه بأسعار مرتفعة.
وتتكبد نساء المناطق التي تنخفض فيها الحرارة إلى ما تحت الصفر، معاناة لا تنتهي، وتزداد إيلاما لما يتعلق الأمر بذوات احتياجات خاصة يقطعن مسافات للتزود بالحطب والماء، طالما أن الاستغناء عنهما مستحيل في ظروف تحتاج زادا وأسلحة مقاومة للبرد والعطش بهذه المناطق.
ولا تؤجل قساوة البرد أشغالا شاقة تتحملها النساء، إذ تجدهن منشغلات بتنظيف الملابس في مياه الوادي الباردة جدا، قبل أن يقمن بحمل الحطب وعلف الماشية من بعض الحقول ويربطن ذلك بحبل إلى ظهورهن وبطونهن، أواستعمالهن بغالا لقضاء بعض الأغراض، في الوقت الذي يخرج فيه الأطفال كل صباح لتفقد أحوال الطقس، ويتقافزون أمام أبواب البيوت، بأرجل باردة وأياد مزقت جلدها قساوة البرد كما هو الحال لبشرة وجوههم الصغيرة.
محنة حطب التدفئة
تحتاج كل أسرة بالمناطق التي تشهد انخفاضا في درجة الحرارة ما بين خمسة قناطير وثلاثة أطنان على الأقل من حطب التدفئة لسد حاجياتها، حسب وتيرة الاستعمال وعدد أفراد الأسرة الواحدة، بل تظل بعض المناطق محرومة من الحطب بالمناطق نفسها، ما يدفع المواطنين إلى الترامي على الغابات بمنطقتي كتامة وإساكن بجبال الريف، في الوقت الذي ينحني ظهر النساء الجبليات لنوائب الدهر عندما يجلبن حطب التدفئة إلى البيوت.
وتعاني العديد من القرى والمداشر بجماعات أربعاء تاوريرت وشقران وتبرانت وكتامة، قلة حطب التدفئة أو عدم توفر المواطنين على إمكانيات للحصول عليه، ما يزيد من عمليات تخريب المجال الغابوي.
وتشكل الغابة بالنسبة إلى العديد من السكان، ملاذهم الوحيد للتغلب على موجات البرد وتوفير الطاقة للاستعمال المنزلي. ويحتاج التعامل مع مثل هذه الظروف المناخية الصعبة، وضع إستراتيجية تنموية تتوافق مع احتياجات السكان الذين لا يلمسون تطورا في علاقة الجهات المسؤولة معهم، اللهم مما يطلق من حين لأخر من مبادرات شحيحة ومحدودة لاتسمن ولا تغني من جوع.
معاناة متجددة
أصبح العديد من سكان المناطق الجبلية يعيشون شبه عزلة تامة، بسبب البرد الذي يلفح أجسادهم، ويشل حركتهم اليومية، ما يدفع مواطنين للاختباء في مساكنهم، ويحول الوضع دون تنقل البعض منهم إلى الأسواق للتبضع وقضاء مآربهم، سيما الجماعات الترابية المتاخمة للجبال، التي تتعطل فيها سبل الحياة بسبب انخفاض درجات الحرارة إلى أدنى مستوياتها.
وتقول بعض المصادر إن مواطنين تهافتوا على شراء مواد معينة كالسكر والزيت والدقيق وغاز البوطان، خوفا من نفادها من الأسواق وارتفاع أسعار مواد أخرى. وتضيف المصادر أن الأحوال الصحية لبعض الشيوخ والأطفال، تدهورت بسبب موجة البرد القارس الذي يجتاح هذه المناطق وغياب حطب التدفئة، في الوقت الذي أكدت استقرار أسعار المواد الغذائية.
ويتخوف سكان المناطق ذاتها، أن تنفق مواشيهم وقطعان أغنامهم بسبب قلة الكلأ، وانعدام المراعي وتعذر التنقل لجلب المؤونة والعشب.
ويرى العديد من المواطنين أن موجة البرد الحالية التي يعرفها الإقليم، تساهم بشكل أو بآخر في إلحاق أضرار بالمزروعات، خاصة في ظل تعرضها لـ ”الجريحة”، مؤكدين أن المطر وحده الذي يمكنه أن يزيل هذه الموجة من البرد القارس.
وأكد أحد الفلاحين أن ضرر موجة هذا البرد لايقتصر على النباتات فحسب، بل تعداها إلى الحيوانات التي أصيبت بأضرار.
خطر محدق
يزداد أرق سكان المناطق الجبلية بإقليم الحسيمة وتخوفهم من تبعات الانخفاض الكبير في درجة الحرارة إلى ما دون 4 أو5 درجات تحت الصفر أحيانا، خاصة أمام ما يتكبدونه من مصاريف استثنائية لتوفير ما يقيهم شر البرد القارس وأمراض قد تفتك بهم أو تصيب أجسادهم بعاهات مستديمة. وما يؤرقهم أكثر حطب التدفئة مما يدفع بعضهم للتزود به بطرق غير قانونية من الغابة، ما يساهم في استنزافها، في انتظار حلول عملية تتقاطع فيها المسؤوليات وتتوحد لحماية الغابة.
وأوضح مصدر مسؤول أن الإقبال الكبير على التزود بحطب التدفئة من الغابة، أقبر الحطب اليابس وزاد من قطع الأخضر، ما يهدد المساحة الغابوية. واعتبر المصدر ذاته، أن الجماعات الترابية لا يمكن أن تبحث وحدها عن الحلول الجذرية، أمام الحاجة الماسة للتدفئة واستحالة اعتماد الفقراء على التدفئة بالكهرباء لتكاليفها الباهظة، أو بالغاز المحفوف بالمخاطر. ويطالب جمعويون بالحسيمة بإطلاق مبادرات لمساعدة السكان في مثل هذه الظروف المناخية الصعبة، كالتي أطلقت منذ سنوات، من بينها مشروع “بنك الملابس والأغطية”، المتمثل في جمع مختلف الملابس والأغطية لتوزيعها على المواطنين الفقراء الذين يعانون انخفاضا في درجات الحرارة.
مبادرة بهدف التخفيف من المعاناة
قام عامل إقليم الحسيمة، أخيرا، بزيارة تفقدية للوحدات الطبية المتنقلة المحدثة بمناطق مختلفة بالإقليم، في إطار برنامج “رعاية”، الذي أطلقته وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، بهدف تقديم الرعاية اللازمة لسكان المناطق المتضررة من موجات البرد، والعمل على ضمان استمرارية الخدمات الصحية لصالح السكان أنفسهم.
وتهدف هذه العملية إلى ضمان استجابة تتلاءم مع احتياجات سكان المناطق المتضررة من موجات البرد والمناطق القروية المعزولة، من خلال ضمان تقديم الخدمات الصحية إلى المناطق المجاورة، خاصة من خلال تعزيز الخدمات الصحية الأساسية، وتوفير الوقاية والتوعية على مستوى المراكز الصحية وتكثيف أنشطة الوحدات الطبية المتنقلة في نقاط تجمع محددة للسكان، في المناطق المهددة بموجة البرد، مع ضمان رعاية الحالات الطبية التي يتم تحديدها من خلال القوافل الطبية المتخصصة والمستشفيات المرجعية المحددة، فضلا عن ضمان إدارة الحالات العاجلة.
وأكدت العديد من المصادر أن سكان بعض المناطق باتوا في حاجة لمبادرات إنسانية تخفف عنهم العبء أيا كانت تجلياته، على غرار حملات طبية وخيرية، بتوزيع مواد غذائية وألبسة للأطفال.
إجراءات استباقية
عقد اجتماع الخميس الماضي، بمقر عمالة الإقليم، لعرض ومناقشة الإجراءات الاستباقية في إطار مخطط العمل الإقليمي، الرامي للتخفيف من الآثار السلبية لموجة البرد على السكان، ولاسيما بالمناطق القروية والمعزولة والمحاور الطرقية التي تعرف الانقطاع بسبب الثلوج والفيضانات.
وأكد عامل إقليم الحسيمة على أهمية اللقاء الذي يندرج في إطار تنفيذ التعليمات الملكية، التي تولي اهتماما خاصا لسكان المناطق الجبلية، وتقديم المساعدة والدعم الضروري لهم خلال فترات تساقط الثلوج والأمطار، وكذا في إطار الإعداد للخطة الوطنية للتخفيف من تأثيرات موجة البرد خلال فصل الشتاء.
وأوضح عامل الإقليم خلال اجتماعه أنه سيجري بالتعاون مع جميع الجهات المعنية، إعداد خطة عمل للتصدي لموجة البرد، تتضمن تحديد المناطق المتأثرة بموجة البرد القارس بناء على تحليل البيانات المتعلقة بمناطق هذا الاقليم.
وأشار إلى أن الخطة الإقليمية ستتضمن الاستعدادات اللازمة، مثل تجهيز الموارد البشرية والوسائل اللوجستيكية الضرورية، من القطاعين العام والخاص.
وسيجري أيضا تحديث وتقييم البيانات الاجتماعية والاقتصادية، المتعلقة بالمناطق المتأثرة بالموجة، بالإضافة إلى إجراء إحصاء للنساء الحوامل والأشخاص الذين ليس لديهم مأوى ثابت. وتشمل التدابير الأخرى إجراء تعداد لاحتياجات الدواوير المتأثرة بالبرد القارس من مواد غذائية، وتجهيز معدات وآليات لإزاحة الثلوج ووسائل الاتصال من أجل ضمان سرعة وفعالية التدخلات.
إعداد : جمال الفكيكي