مازالت العديد من الأسر بإقليم الحسيمة متمسكة بالطقوس العريقة في الاحتفال بذكرى المولد النبوي المبارك، سواء بصلة الرحم أو بإحياء ليالي الأمداح والذكر الحكيم، سيرا على التراث الموروث عن الأسلاف.
هذه الطقوس التي تنهل من التراث الروحي الأصيل للمغاربة وتشكل واحدة من تجليات عمقه الصوفي، ما زالت راسخة لدى الناس بالرغم من رياح الحداثة الجارفة أو القراءات والتأويلات المتعسفة للتراث الديني، المرتكزة على ضرورة وجود النص، مع تغييب أي أفق للاجتهاد أو تقدير للغايات من الاحتفاء بالرسول الأعظم، محمد (صلعم).
وقد اصطبغ الاحتفال بالمولد النبوي بطقوس وعادات محلية تحرص الأسر بمختلف قبائل إقليم الحسيمة على إحيائها ليلة وصبيحة المولد النبوي. في هذا السياق، يؤكد الباحث في تراث الريف والمنحدر من منطقة بقيوة، عبد الصمد مجوقي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن بعض سكان مداشر المنطقة ما يزالون يحتفظون ببعض العادات والتقاليد العريقة، من قبيل تنظيف الطرق ومحيط المنازل ودور العبادة والزوايا، لاسيما الأماكن التي تقام فيها حلقات الذكر.
في هذا السياق، أضاف بأن الرجال في ليلة المولد يتحلقون بالمساجد والزوايا الكائنة لصلاة العشاء ثم قراءة الأذكار، بينما نساء المداشر يلتحقن ببيت إحداهن لقضاء الليلة في تلاوة الأذكار وصلاة النوافل وإنشاد الأمداح وهو ما يعرف محليا ب “اك راو ن تفقرين”.
على صعيد آخر، أشار إلى أن الاحتفاء بالمولد النبوي ينطلق برفع علم أبيض، “فاندو”، على أسطح المنازل منذ الفجر، ثم تعد ربات البيوت وجبة فطور مميزة تسمى محليا “إوزان”، وهي الدشيشة البلدية التي تمزج بسمن معتق أو زيت الزيتون، وبعدها تهيئ النساء خبزا طريا لتناوله مع وجبة العشاء التي تكون عبارة عن ديك بلدي مميز.
وتستغل المناسبة لتنظيم عمليات إعذار جماعي للأطفال ببعض مناطق القبيلة، وغالبا ما يتم اختيار مكان ذي رمزية روحية لاحتضان العملية، التي تجري في جو من الفرح والفرجة.
واعتبر عبد الصمد مجوقي أن هذه من أبرز العادات التي ظلت حية إلى يومنا هذا وإن كان نطاق ممارستها قد انحسر بعض الشيء، مشيرا في هذا الصدد إلى كتاب “إبقيون، نبش في الذاكرة” لصاحبه عبد العزيز طليح، والذي يوثق في بعض صفحاته لطقوس الأجداد في الاحتفاء بهذه المناسبة.
من جهته، أشار نائب رئيس جمعية أمازيغ صنهاجة الريف، إلياس أعراب، أن من التقاليد التي ظلت إلى يومنا هذا تقاوم الاندثار بمنطقة صنهاجة، وضع علم أبيض على أسطح المنازل أو في النوافذ البارزة والشرفات، والإفطار صباح المولد بوجبة “إيبرين” أو الدشيشة، وارتداء اللباس الجديد مثل جميع الأعياد وصبغ الأيادي بالحناء بالنسبة للفتيات، وصلة الرحم والتجمع في إطار العائلة، وإحياء عادة “الوزيعة” أي اقتناء ذبيحة وتوزيعها بالتساوي على سكان القرية.
ويشكل المولد، حسب المتحدث، مناسبة لطلبة المدارس القرآنية بالمنطقة لجمع هدايا نقدية او عينية من المداشر، حيث يطوفون على المنازل مرددين أناشيد خاصة، لحث الناس على تقديم هدايا تحفيزية لهم تشجعهم على مواصلة التعليم الديني.
بقدوم المولد النبوي المبارك، يتجدد الجدال بين المؤدين والمعارضين للاحتفاء بميلاد خير البرية. في هذا الصدد شدد رئيس المجلس العلمي المحلي للحسيمة محمد أورياغل أن إحياء المولد هو فرصة للمسلم لتجديد محبة الرسول الله صلى الله عليه وسلم وتغذيتها.