إصدار جديد يتناول :”الاستحقاقات الجديدة للإصلاح الإداري بالمغرب: التعبيرات والتحديات”

admin7 أبريل 2025آخر تحديث :
إصدار جديد يتناول :”الاستحقاقات الجديدة للإصلاح الإداري بالمغرب: التعبيرات والتحديات”

تعرف الإدارة العمومية بالمغرب انتقالات متتالية من مختلف النواحي التشريعية والمؤسساتية والتقنية، في ظل جيل جديد من الإصلاحات لجعلها قادرة على مواجهة التحديات التي تحد من فعاليتها، وبغية تنمية منسوب ثقة المرتفقين والفاعلين بما يساعد على ربح الاستحقاقات الجديدة للتدبير العمومي في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية. تشمل هذه الاستحقاقات المستوى المركزي من خلال أوراش الانتقال الرقمي تبسيط والمساطر والإجراءات الإدارية وإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، والمستوى اللامتمركز في ضوء توجهات الميثاق الوطني للاتمركز الذي حتم تسريع مسار الإصلاح الترابي للدولة، والمستوى اللامركزي أمام التغيرات التي تعرفها علاقة السلطة المركزية بالجماعات الترابية، خاصة فيما يتعلق بمأسسة التعاقد الترابي، وربح رهانات العدالة المجالية، وتوجيه المشروع الجهوي لتثبيت دعائم الديموقراطية الترابية.

المقدمة

أسفر التطور الإداري بالمغرب عن تضخم تدريجي في حجم الكتلة الإدارية، إلى حد ترسيخ حالات متقدمة من البيروقراطية سرعان ما أثقلت كاهل الإدارة، وما خلف ذلك من إشكالات عويصة أثرت على فعالية الجسم الإداري وعلى فاعليتها كما أظهرت العديد من التقارير الوطنية والدولية. بالموازاة مع ذلك، برزت عدة محاولات لإصلاح الإدارة عبر مشاريع متتالية لتخليصها من ترهلها التنظيمي ومن الأعطاب التي تحد من أدوارها الوظيفية، وذلك وفق مقاربات مختلفة من حيث المنطلقات والآليات ولكنها توخَّت جميعها تحديث الإدارة العمومية وتدعيم العلاقة مع متعامليها ومع محيطها الاقتصادي والاجتماعي، بما يجعلها محركا للتدبير العمومي بدل أن تظل كابحا له.

وقد أذِن دستور 2011 بتغيير جذري للفعل الإداري على قاعدة مبادئ معيارية لتأطير مهام الإدارة وعلاقاتها، بالتنصيص على الطابع الحقوقي والتنموي للخدمة العمومية الإدارية، وبالتأكيد على ضمانات كالشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص والإنصاف في تغطية التراب الوطني بالمرافق العمومية. كما تواترت النصوص التشريعية والتنظيمية التي استهدفت تدقيق الصلاحيات وإمكانيات التدخل، كالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية، والميثاق الوطني للاتمركز الإداري، والنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بتحديث المراق العمومية وتدبير الاستثمار الجهوي وتبسيط المساطر الإجرائية وإعادة هيكلة قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية

شكلت مختلف هذه النصوص مرجعية صلبة لإطلاق حزمة جديدة من المشاريع الرامية إلى إعادة هيكلة الإدارة العمومية في مختلف تعبيراتها المركزية والترابية، في أفق رفع التحديات التي تحد من تأثيرها الإيجابي في مواكبة الأوراش الجديدة للتدبير العمومي. وما يميز الجيل الجديد من برامج الإصلاح الإداري انطلاقه من مخططات عمل محددة الأهداف والآجال والمؤشرات، مع الاستناد على آليات مؤسساتية لقيادة الإصلاح وتتبع تنفيذه، ناهيك عن الاعتماد على أرضية قانونية أكثر تماسكا في ضوء الطفرة التي عرفها التأطير المرجعي لاختصاصات الأجهزة الإدارية وكيفيات اشتغالها مقابل حالات القصور التشريعي التي كانت تحد من أثر الإصلاحات السابقة.

تأسيسا على ما سبق، تبرز الإشكالية التالية: ماهي التعبيرات الجديدة للإصلاح الإداري بالمغرب وبأية مداخل يمكن رفع التحديات التي تحد من فعالية التدبير العمومي؟ وتنبثق عن هذا السؤال المركزي عدة أسئلة فرعية يمكن إجمالها على النحو التالي: ماهي سياقات ورهانات التعبيرات الجديدة لإصلاح الإدارة العمومية؟ وماهي التأثيرات المرغوبة والعكسية لمسارات التحول الرقمي بالإدارة المغربية؟ وبأية ضمانات يمكن تحويل هذه المخاطر إلى فرص لتسريع وتيرة الإصلاح الإداري؟ وماهي المداخل الممكنة لتوجيه مشاريع الإصلاح الإداري نحو جعل الإدارة مواكبة للأوراش الجديدة للقطاع العام، في مجالات الحوكمة المفتوحة وتحفيز الاستثمار وتحديث المرافق العمومية وتعزيز الولوج المنصف إلى المعلومات والخدمات العمومية.

للإجابة عن هذه الإشكالات، سنحاول تتبع الاستحقاقات الجديدة للإصلاح الإداري بالمغرب، من خلال التمييز بين ثلاثة مستويات:المستوى الأول يشمل الجوانب المركزية أو الأفقية للإصلاح، بالتركيز على التغييرات الهيكلية التي مست هياكل ووظائف الإدارة من خلال ثلاثة أوراش أساسية تتمثل في رقمنة الخدمات العمومية وتحديات مواكبة التحول الرقمي، وتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية وتحدي مواجهة البيروقراطية، وكذا إصلاح المؤسسات والمقاولة العمومية وتحدي إعادة هيكلة القطاع العام. إلى جانب هذا المستوى العرضاني (transversale) للإصلاح الذي يشمل كافة مكونات الجسم الإداري، ثمة إصلاحات أخرى ذات طابع ترابي، مع التمييز بهذا الخصوص بين استحقاقات تحديث نظام اللاتمركز عبر عمليات المأسسة ومنهجية نقل الاختصاصات والتدبير اللامتمركز للاستثمار، وبين تطلعات تجديد النظام اللامركزي من خلال تتبع رهانات وتأثيرات التضامن الترابي وعقود البرامج بين الدولة والجهات وتمفصلات السياسي والإداري وتأثيرها على الديموقراطية الترابية.

الخاتمة

يُظهر التحليل السابق أن الإصلاح الإداري بالمغرب يمر بمرحلة مفصلية مقارنة بالمحاولات السابقة، لأن المحيط العام للإدارة العمومية أصبح يفرض جعلها أكثر كفاءة في الاستجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية. وجراء ذلك فقد توالت التشريعات والأنظمة التي تؤسس لتحول منهجي في مقاربات الفعل الإداري العمومي وآليات اشتغاله، في اتجاه جعله متساوقا مع المناخ الإصلاحي العام بالبلاد، الذي تعكسه أوراش كبرى تم إطلاقها في مختلف المجالات. وهكذا فالإدارة أصبحت مطالبة بإسناد جهود تحديث المنظومة القضائية، ومواكبة عمليات إعادة تصميم شبكات الأمان الاجتماعي، وتشجيع الاستثمار وإعادة هيكلة قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، وتبسيط المساطر والإجراءات العمومية. إضافة إلى التعبيرات الترابية سواء في شقها المتعلق بتجسيد الرهانات الجديدة للاتمركز الإداري أو في مستواها الخاص بتطوير التدبير اللامركزي للتنمية.

عمليا، تُبرز المؤشرات المرحلية تحسنا ملحوظا في نجاعة الممارسة الإدارية عبر برامج متعددة تستهدف إعادة النظر في الجسم الإداري على المستويين الهيكلي والوظيفي، وهو ما تشهد به الانتقالات النوعية للإدارة العمومية في تعبيراتها المركزية والترابية في ميادين تحديث أنظمة الحكامة والتدبير والتتبع، وفي رقمنة الخدمات العمومية، وفي تجسير العلاقة مع المهنيين والمرتفقين انطلاقا من آليات يمكن الرهان عليها في تحقيق الرهانات الاستراتيجية للإصلاح الإداري كالشفافية التنظيمية والإدارة التشاركية والكفاءة التدبيرية وتقريب الخدمة العمومية، وغيرها من الملامح التي من شأن تظافرها وترصيدها أن يسهم في التجسيد الفعلي للديموقراطية الإدارية.

في المقابل، لا تزال عدة كوابح تبطئ الإيقاع المتسارع للإصلاح الإداري، منها ما يرتبط بصعوبات تدبيرية ذات طابع ظرفي بالنظر لعدم كفاية عمليات المواكبة والتأهيل والمتابعة، ومنها ما يرجع إلى جذور تشريعية أمام التأخر الذي يعرفه إصدار العديد من النصوص التنظيمية ذات الصلة بتنزيل بعض المقتضيات القانونية، والتراخي الذي يطبع إرساء الأطر المؤسساتية المرتبطة بقيادة أوراش التحول الهيكلي والوظيفي والرقمي للإدارة العمومية، سواء على المستوى المركزي أمام عدم انتظار أشغال اللجان الوزارية المختصة بالإشراف والمتابعة، أو على الصعيد الترابي في ظل محدودية ضمانات التجانس بين الإدارة الترابية والمصالح اللاممركزة والجماعات الترابية، وهو ما يؤثر على متطلبات التنسيق والتكامل بين مختلف تعبيرات الإدارة العمومية.

في ضوء هذه التحديات يتوجب القيام بإجراءات جديدة لجعل مشاريع الإصلاح الإداري تخدم الرهانات الاستراتيجية المتوخاة منها، وللحيلولة دون إعادة إنتاج التجارب السابقة التي قزمت إصلاح الإدارة في تدابير تقنية لم تنعكس بالشكل المطلوب على أدائها وعلى مستوى إسهامها في تحديث التدبير العمومي بشكل عام. لهذا الغرض، من الأهمية بمكان اعتماد لوحة قيادة متكاملة للتحكم في مستوى التطابق بين الأهداف والنتائج، انطلاقا من معايير محددة ترتبط بقياس فعالية الإدارة العمومية ومدى انضباطها لاستحقاقات تبسيط المساطر ورقمنة الخدمات ودرجة انفتاح الإدارة على محيطها ومنسوب ثقة الفاعلين فيها.

موازاة مع ذلك، يتعين إحاطة التطبيقات الإلكترونية للخدمات والمساطر الإدارية بالضمانات اللازمة لتفادي الوقوع في فخ بيروقراطية رقمية قد تكون أشد فتكا من البيروقراطية التقليدية، من خلال تطوير حلول رقمية مبتكرة تتيح بشكل تلقائي أقصى ما يمكن من المعلومات والوثائق، وتعميم رقمنة مسار المرتفق على نحو يمكنه من تقديم الطلبات والحصول على الخدمة العمومية بشكل إلكتروني ميسر، وهو ما يستوجب اعتماد التطبيقات المحمولة والمواكبة الافتراضية للمرتفقين، ومراجعة الهندسة المعلوماتية للبوابات الموضوعية والمواقع الإلكترونية للإدارات العمومية على نحو يرتقي بكفاءتها وبمستوى التبادل الإلكتروني للمعطيات المتاحة لديها. إضافة إلى سن تدابير جديدة للتقليص من الفجوة الرقمية بين الإدارات العمومية على المستويين القطاعي والترابي.

ارتباطا بذلك، يتعين جعل الإصلاح الترابي مندمجا ضمن سيرورة الإصلاح الإداري في مختلف استحقاقاته، بالعمل على توفير شروط التكامل بين المستويين اللامركزي واللامتمركز للتدبير العمومي الترابي، من خلال تقوية مجالات وآليات تدخل التمثيليات الإدارية للقطاعات الوزارية في ضوء التعهدات المنصوص عليها بالتصاميم المديرية للاتمركز الإداري، وبالارتقاء بقدرات الإدارة الجماعية من خلال مدها بالموارد والوسائل التي تتناسب مع الرهانات المعقودة عليها في إسناد المجالس المنتخبة في تصميم وتنفيذ برامج التنمية الترابية وبتثمين مواردها البشرية عبر تكثيف برامج تكوينية تستجيب لحاجياتها وبتوزيع متوازن للأطر والكفاءات وبسن نظام خاص بالوظيفة الترابية.

على وجه الإجمال، يتعين استحضار البعد التقاطعي في إنجاز الاستحقاقات الجديدة للإصلاح الإداري، من خلال توفير شروط نجاح الأوراش الأفقية لتحديث الإدارة العمومية، وخاصة فيما يتعلق بتقوية الأثر الفعلي لمشاريع رقمنة الخدمات وتبسيط المساطر مع تعزيز فعاليتها في تدعيم شفافية عمل الإدارة وانفتاحها وفي تلبية تطلعات المرتفقين والفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين، كما يفترض أن يواكب ورش إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية بالتقييم المستمر بما يساعد على ترشيد المحفظة العمومية وعلى رفع تحديات الدولة المساهمة. أما على المستوى العمودي للإصلاح الإداري، فقد أصبح البعد المجالي محكا أساسيا لجهود تحديث الإدارة العمومية بما يجعلها أكثر قربا ونجاعة، وهو ما يحتم تهيئة متطلبات التكامل بين ضلعي التدبير العمومي الترابي، عبر تقوية جسور التلاقي بين الإدارة الترابية من جهة وبين التعبيرات الإدارية اللامركزية من جهة ثانية، بما يساعد على ربح رهانات الجهوية المتقدمة واللاتمركز الواسع.

الكاتب في سطور : د. عبد الرفيع زعنون

باحث في القانون الإداري والسياسات العمومية،

• الانتقال الرقمي بالإدارة العمومية

• تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية

• إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية

• الحصيلة المرحلية لتنفيذ ميثاق اللاتمركز

• التدبير اللامتمركز للاستثمار الجهوي

• عقود البرامج بين الدولة والجهات

• التقائية الفعل العمومي الترابي

q أستاذ زائر بالكلية متعددة التخصصات بالعرائش.

q باحث مشارك بالمعهد المغربي لتحليل السياسيات.

q رئيس فريق البحث في القانون العام بمركز اسبارطيل لخدمة القانون وحسن الأداء القضائي

q مساهم بأوراق بحثية في العديد من المؤتمرات الوطنية والدولية، وبمقالات بعدة مجلات محكمة، إلى جانب مساهمات بكتب جماعية داخل المغرب وخارجه، فضلا عن إصدار عدة مطبوعات وكتب من أهمها: تدبير التنمية الترابية دراسة مقارنة، دار الرشاد 2020.

q حاصل على عدة جوائز حول أعمال بحثية من أهمها: الجائزة الأولى في مسابقة أوراق السياسات (المعهد المغربي لتحليل السياسات، أكتوبر 2021)، وجائزة طنجة المتوسط لأحسن دراسة اقتصادية (جائزة بيت الصحافة للإعلام والثقافة، يناير 2025).

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة