دراسة: أسماك الناظور ملوثة بعناصر سامة تهدد صحة الأطفال

admin10 سبتمبر 2025Last Update :
دراسة: أسماك الناظور ملوثة بعناصر سامة تهدد صحة الأطفال

كشف فريق من الباحثين المغاربة أن الأسماك المستخرجة من خليج بيتويا، الواقع في شمال غرب إقليم الناظور بالمغرب، تحتوي على تراكم ملحوظ لعناصر سامة محتملة يمكن أن تشكل خطرا صحيا على المستهلكين، خصوصا الأطفال، بحسب ما توصلت إليه دراسة علمية نشرت في مجلة “مارين بولوشن بوليتين”.

وركزت الدراسة على ثلاثة أنواع من الأسماك الأكثر استهلاكا في المنطقة وهي ساردينا بيلتشاردوس (السردين)، وإنغراوليس إنغراسيسولوس (الأنشوفة)، وتراكوروس تراكوروس (الشرن)، وقد تم تحليل هذه العينات خلال موسمي الشتاء والصيف من أجل قياس تراكم عناصر مثل الزرنيخ والكادميوم والكروم والكوبالت والنحاس والحديد والزئبق والزنك.

وأبرزت النتائج أن الكبد هو العضو الأكثر تلوثا بهذه العناصر مقارنة بالعضلات والخياشيم، إذ تراوحت قيمة مؤشر التلوث المعدني في الكبد بين 3.07 و6.69، بينما لم تظهر العضلات والخياشيم مستويات سامة مماثلة، بحسب ما ورد في الدراسة المنشورة في يناير 2025.

وبينت الدراسة أيضا أن تراكم هذه العناصر يزداد في الموسم المطير، حيث لوحظ ارتفاع ملحوظ لعناصر الزرنيخ والكادميوم والزئبق والزنك خاصة السردين. وبالرغم من ذلك، أكدت النتائج أن معدل الاستهلاك اليومي المقدر لهذه العناصر ظل في المجمل أقل من الحدود القصوى المسموح بها دوليا، مما يعني أن المخاطر الفورية على صحة المستهلكين تبقى محدودة. غير أن الباحثين نبهوا إلى أن بعض القيم الخاصة بالكادميوم والحديد تجاوزت الحدود المسموح بها للأطفال، مما يثير مخاوف جدية بشأن الفئات العمرية الصغيرة.

كما سجلت الباحثون أن معامل الخطر الكلي ظل أقل من واحد بالنسبة للبالغين، وهو ما يشير إلى غياب مخاطر غير مسرطنة عند استهلاك لحوم هذه الأسماك. لكن الوضع يختلف بالنسبة للأطفال، إذ تم رصد خطر مرتبط بالزرنيخ غير العضوي في السردين خلال فصل الشتاء، وكذلك في الشرن خلال الموسمين معا.

والأخطر أن مؤشرات المخاطر السرطانية تجاوزت العتبة المقبولة سواء بالنسبة للبالغين أو الأطفال، وهو ما يبرز احتمالا قائما للإصابة بمضاعفات صحية خطيرة على المدى الطويل نتيجة الاستهلاك المستمر لهذه الأصناف السمكية، حسب الدراسة.

كما أوردت الدراسة أن المغرب يتوفر على قدرة صيد تقدر بـ 1.36 مليون طن، مما يجعله من بين أكبر ثلاثة منتجين للثروة السمكية في إفريقيا. ومع ذلك، فإن مساهمة الجهة الشرقية، التي تقع بها منطقة بيتويا، تبقى محدودة إذ لا تتجاوز 7805 أطنان، حسب معطيات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة 2020 والمندوبية السامية للتخطيط 2019.

وأكد الباحثون أن السردين المعروف علميا باسم ساردينا بيلتشاردوس يمثل أهم الأنواع التجارية في المصايد المتوسطية لشمال غرب إفريقيا، بفضل وفرته وقيمته الاقتصادية، في حين تشكل أسماك الشرن والأنشوفة المغربية موارد صيد مهمة على المستوى العالمي. لكن الدراسة توصلت إلى أن هذه الموارد شهدت تراجعا في السنوات الأخيرة بسبب الصيد الجائر والتلوث البحري الناتج عن الأنشطة البشرية.

ووفقا للدراسة، فإن خليج بيتويا يعرف وتيرة متسارعة من التمدن والتصنيع، حيث يتميز بوجود صناعات ناشئة وبناء ميناء جديد وتكثيف أنشطة الصيد إلى جانب غياب أنظمة فعالة للتطهير، ما أدى إلى تصريف الملوثات مباشرة في البيئة البحرية.

وأوضح الباحثون أن هذه الوضعية جعلت الأسماك المحلية عرضة لتراكم العناصر السامة المحتملة بشكل متزايد، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا لصحة المستهلكين ومصدر قلق متصاعد للرأي العام المحلي. علما أن هذه أول دراسة من نوعها تجرى في هذه المنطقة لتقييم المخاطر البيئية والصحية المرتبطة بتلوث الأسماك بالعناصر السامة المحتملة.

وأكدت الدراسة أيضا أن العناصر مثل الحديد والنحاس والكوبالت والزنك تعد ضرورية لعمل الجسم البشري عندما تكون موجودة بكميات ضئيلة، حيث تساهم في وظائف بنيوية وحيوية متعددة. غير أن تجاوز تركيزاتها للمستويات الطبيعية قد يؤدي إلى أمراض خطيرة مثل التهاب الكلى، انقطاع البول، تساقط الشعر، التهابات الدماغ، الإرهاق، اضطرابات الأكل، بل وحتى اضطرابات أعمق كالنوبات الهلعية والحساسية والقلق وفرط النشاط عند الأطفال واختلال وظائف الأعضاء وتطور السرطان.

أما العناصر الأخرى مثل الزرنيخ والكادميوم والكروم سداسي التكافؤ والزئبق فهي سامة حتى عند أدنى التركيزات، إذ يرتبط الزرنيخ مثلا بمخاطر سرطانية مؤكدة ويسبب فقدان الشهية والحمى وتساقط الشعر وتضخم الغدة الدرقية وتشنجات عضلية وأضرارا بالكلى والكبد، بينما يؤدي الكروم إلى تقرحات أنفية ومشاكل تنفسية. وبالنسبة للزئبق والكادميوم، فخطورتها البالغة تجعلها مؤذية حتى بجرعات منخفضة جدا مسببة تلف الكلى واضطرابات إنجابية وارتفاع الضغط الدموي والأورام في الحالات القصوى.

وعلى الرغم من أن مستويات معظم العناصر في أنسجة العضلات كانت دون المعايير الدولية، باستثناء الزرنيخ الذي تجاوزها، فإن الباحثين شددوا على أن المخاطر لا تنحصر في الأثر المباشر قصير الأمد، بل تكمن أيضا في تراكم هذه العناصر على المدى الطويل نتيجة الأنشطة البشرية، وهو ما قد يسبب انعكاسات مقلقة مستقبلا على صحة الإنسان والنظم البيئية في خليج بيثويا. ولهذا أوصت الدراسة بضرورة إدراج تحاليل دورية لقياس التراكم الحيوي ومراقبة تعرض السكان المحليين في الدراسات المقبلة، حتى يتسنى التنبؤ بالمخاطر المحتملة والتعامل معها قبل تفاقمها.

من جهة أخرى، أوضح الباحثون أن الأسماك المختارة للدراسة تلعب دورا محوريا في الأمن الغذائي والاقتصادي لسكان المنطقة، إذ تمثل مصدرا رئيسيا للبروتينات والمعادن والفيتامينات والأحماض الدهنية الأساسية، لا سيما أوميغا-3. إلا أن تلوثها بالعناصر السامة المحتملة قد يحرم المستهلكين من هذه المنافع الغذائية.

وأبرزت الدراسة أن هذه الأنواع السمكية تمثل مؤشرات حيوية دقيقة لقياس التلوث المعدني في البيئة البحرية، وبالتالي فإن مراقبتها يوفر معلومات بالغة الأهمية حول مستوى المخاطر التي قد يتعرض لها الإنسان.

واعتبر الباحثون أن تركيز العناصر السامة المحتملة في أسماك خليج بيتويا في الناظور لا يشكل حاليا خطرا صحيا آنيا سواء على المستهلكين أو على النظام البيئي، غير أن المؤشرات السرطانية المسجلة وإشارات الخطر عند الأطفال تستدعي تحركا عاجلا للحد من تراكم هذه العناصر.

كما أن استمرار التلوث المرتبط بالأنشطة البشرية، من صناعة وصيد وبناء ميناء جديد وغياب أنظمة صرف صحي، يضع مستقبل هذه الثروة السمكية تحت تهديد حقيقي قد يقوض واحدا من أعمدة الاقتصاد الغذائي في الجهة الشرقية للمغرب، بحسب ما ورد في الدراسة.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News