برونق فريد وجمال باد للعيان، تتربع قلعة أربعاء تاوريرت بإقليم الحسيمة فوق تلة بارزة وهي تحكي شذرات من التاريخ القريب للمنطقة. بجدرانها الحمراء وخطوطها البيضاء، صارت القلعة تخطف الأنظار بعدما حظيت بترميم أعاد لها بريقها، وأعطاها حياة جديدة لتبقى شاهدة على محطات مفصلية في تاريخ منطقة الريف.
تتوطن القلعة في موقع استراتيجي فوق تلة بالجماعة القروية أربعاء تاوريرت، على بعد حوالي 40 كلم جنوب شرق مدينة الحسيمة، وتتوفر على إطلالة بانورامية تمنحك مجال رؤية بعيد يشمل ضفتي وادي النكور، الذي يواصل مسيره نحو مصبه بالساحل المتوسطي وهو يخترق سلسلة جبال بالريف الأوسط.
بخصوص تاريخها، يقول الفاعل الجمعوي، صديق عبد الكريم، لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن قلعة أربعاء تاوريرت، المعروفة محليا باسم القلعة الحمراء، بنيت سنة 1941، أي خلال فترة الحماية الإسبانية، وهي من تصميم الكولونيل والمهندس الإسباني إيميليو بلانكو إيزاغا.
وذكر أن هذه المنشأة التاريخية كانت أيام الاستعمار تسمى “أوفيسينا” (Oficina بالإسبانية تعني المكتب)، حيث شيدت لتستقبل قيادة إدارية لقضاء أغراض الناس من وثائق وغيرها من الإجراءات، مشيرا إلى أن هذا الصرح المعماري الفريد يعرف محليا في الوقت الراهن ب “رفوسينا ثازوكاغت”.
أما عن شكلها المعماري، يبرز عمر أشهبار، الباحث في التراث والتاريخ، أن معمارها يحاكي الشكل المعماري لمخازن الحبوب الجماعية الموجودة في جنوب المغرب، مضيفا أن لهذه القلعة التاريخية، الممتدة على مساحة تقارب 900 متر، خصائص عمرانية مستوحاة من الهندسة المعمارية المعتمدة من قبل سكان الأطلس في بناء القصبات.
ووفقا للباحث، فالقلعة اتخذت في عهد الاستعمار الإسباني مقرا إداريا، حيث احتضنت عدة مكاتب إدارية، بالإضافة إلى محكمة وسجن ومستوصف واسطبلات الحيوانات ومخازن الحبوب، مبرزا أن المنشأة تتكون من طابق أرضي كان يودع فيه السجناء، ومن طابق علوي يتكون من 99 حجرة.
في السياق ذاته، لفت إلى أن المعلمة كانت مزينة وتوجد بداخلها تحف معمارية جميلة قبل أن تتعرض للتخريب والنهب، وفق روايات شفهية لسكان المنطقة، موضحا أن القلعة قاومت أيضا آثار زلزال 2004، حيث حافظت عموما على شكلها الخارجي، قبل أن تستفيد من مشروع ترميم شامل أنقذ جدرانها وأبراجها من شبح الانهيار، كما أعاد لأسوارها رونقها وجمالها.
وقد رصد لترميم هذه المعلمة غلاف مالي ناهز 12 مليون درهم، ضمن برنامج التنمية المجالية “الحسيمة منارة المتوسط”، حيث شملت الأشغال، التي انتهت في سنة 2022، جميع مرافق القلعة، بما في ذلك الأبواب والنوافذ والسلالم والممرات والأسوار والأسقف والأقواس، ويرتقب أن يعاد افتتاح القلعة أمام الزوار مستقبلا وجعلها قبلة للسياحة والاكتشاف ورافعة للتنمية المحلية.
وجود القلعة بعيدة عن المدن والتجمعات السكانية لا يشكل عائقا أمام تثمينها سياحيا واستغلال إمكاناتها في التنمية المحلية وفق رأي المهتم بالشأن السياحي بالحسيمة، خالد الستوتي، الذي يشدد على أن وجود مثل هذه القلاع التاريخية يمكن أن يشكل مؤهلا للانتعاش السياحي، وعاملا يتعين ترصيده لإبراز باقي المؤهلات الطبيعية والتراثية والإنسانية بمنطقة الريف عموما، ومنطقة الريف الأوسط على وجه الخصوص.
وأشار إلى أن عشاق هذا النوع من السياحة البديلة يفضلون وجود مآثر متباعدة عن المدن، حيث تتيح لهم قضاء وقت أطول واستكشاف الكثير مما تزخر به المنطقة، معتبرا أن هذه الميزة تعتبر عاملا مساعدا للنهوض بالسياحة الثقافية والقروية والبيئية، طبعا إلى جانب السياحة الشاطئية التي تعتبر ذات طابع موسمي بإقليم الحسيمة.
و م ع