إن تدريس اللغة الأمازيغية بالمغرب للناطقين وغير الناطقين بها بداية من سنة 2003 وتعميمها بشكل تدريجي بمختلف الجهات باعتماد صيغة “الأستاذ المُكلّف”، هو قرار وطني حكيم رغم ما يعتريه من إكراهات، وأيضا يمكن اعتباره محاولة للقطع مع الماضي القريب الذي كانت فيه الأمازيغية غائبة كليا عن مؤسسات الدولة بمختلف أنواعها، لا سيما وأن إعادة الاعتبار للثقافة واللغة الأمازيغيتين بالمغرب كان من الضروريات الأساسية لتحقيق هذا المبتغى وتصحيح المسار الذي اتخذه التعليم ببلادنا منذ تأسيس أول لجنة لاصلاح التعليم سنة 1957 والتي تبنت خيار “التعريب” في الإصلاح إلى جانب التوحيد والتعميم والمجانية.
تعتبر هذه المصالحة مع الذات الوطنية الأمازيغية في قطاع التعليم من خلال إدراج اللغة الأمازيغية وثقافتها في المقررات الدراسية، بمثابة حلّ نسبي/جزئي لملف الأمازيغية الذي تم تغييبه من الحياة العامة في وقت سابق.
لقِي هذا التوجه تدعيما باهتا قِبل مختلف الباحثين في اللغة الأمازيغية بالمغرب، بكل الوسائل الممكنة من أجل تسريع وأجرأة خطاب أجدير المؤرخ في17 أكتوبر 2001، الذي وضع الحجر الأساس لإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وبموجب هذا القرار سيتم العمل على تهيئة الفروع اللغوية الثلاثة الموجودة بالمغرب: تاريفيت، تاشلحيت، تمازيغت… وتوجميعها في لغة موحّدة سيتم تسميتها مستقبلا ب”المعيارية”.
ناهية عن إعداد مصوغات ديداكتيكة وكتب مدرسية لمختلف المستويات الدراسية في السلك الابتدائي.
بعد دسترة اللغة الأمازيغية بالمغرب سنة 2011 وإصدار مذكرات وزارية تهم تدريس وتعميم اللغة الأمازيغية بصيغة “الأستاذ المتخصص” في التعليم الابتدائي بداية سنة 2012 ثم 2013 مع الوزير الراحل محمد الوفا، إلى أن تم التراجع تدريجيا عن هذا التوجه لأسباب عديدة ومتشعبة كما سنرى فيما يلي.
رغم تأخير مشروع القانون التنظيمي 26.16 المتعلق بإدراج وتعميم اللغة الأمازيغية في مختلف القطاعات ذات الأولوية والمؤسسات العمومية التابعة للدولة: التعليم، الإعلام، العدل، القضاء… لأزيد من ثمان سنوات، إلا أن بعد صدور هذا القانون بتاريخ 12 سبتمبر 2019 كان بمثابة خارطة الطريق التي ستسلكها اللغة الأمازيغية بالمغرب مستقبلا في مختلف المجالات رغم التأخير الذي طاله.
يعتبر القانون الإطار 51.17 المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 09 غشت 2019، من الوثائق التربوية التي تكتسي أهمية كبرى في منظومة التربية والتكوين بالمغرب. حيث تعتبران المادتين 31 و 32 المتممتين لبعضهما، أنه في حدود سنة 2030 سيكون التلميذ المغربي الحاصل على شهادة البكالوريا يتقن اللغتين الرسميتين للدولة: الأمازيغية والعربية، ويتواصل باللغات الأجنبية: الفرنسية، الإنجليزية، الإسبانية…
بعد تحليلنا لوضعية اللغة الأمازيغية بالمدرسة العمومية، يمكننا القول بأن هذا التحدي الذي رفعته السلطة الحكومية المكلفة بتدبير قطاع التربية الوطنية، مستبعدا وصعب التحقيق في غضون ست أو سبع سنوات، لا سيما في ظل غياب كلي للغة الأمازيغية في سلكي الثانوي الإعدادي والتأهيلي.
إن الحديث عن تعميم اللغة الأمازيغية أفقيا وعموديا، يستدعي منا الوقوف عند أهم ما جاءت به القوانين التنظيمية الخاصة بالأمازيغية سنة 2019، والتي تؤكد على تعميم تدريس اللغة الأمازيغية بالسلك الابتدائي في حدود سنة 2025، الشيء الذي يتنافى وما هو كائن حاليا في قطاع التعليم ونحن على بعد سنة وفقط من انقضاء الفترة الزمنية المحددة سلفا!!
وتجدر الاشارة إلى أنه ما زالت هناك عشرات المديريات الإقليمية وطنيا لم تُعمَّم فيها اللغة الأمازيغية على جميع المستويات أفقيا بالسلك الابتدائي، باعتبارها لغة وطنية إلى جانب اللغة العربية حسب الفقرة الثالثة من الفصل الخامس لدستور المملكة المغربية لسنة 2011.
أصدرت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة خلال السنة المنصرمة 2023 والحالية 2024، مجموعة من المذكرات التفاعلية والتنظيمية وذلك بعد احتجاج الكثير من الفعاليات الأمازيغية وجمعيات مدرسي هذه المادة بمختلف جهات المملكة عبر تقديم شكايات ومراسلات إلى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ثم الوزارة الوصية على القطاع، وغيرها من الجهات الأخرى المسؤولة عن تعطيل ورش الأمازيغية في شتى المجالات والتهرب من المسؤوليات الموكولة إليها.
بتاريخ 23 ماي 2023 خرجت الوزارة بمذكرة عدد 028/23، تتحدث عن التعميم التدريجي للغة الأمازيغية في العالم القروي عبر تعيين أساتذة متخصصين في هذه اللغة في فرعيات ذات أقسام مشتركة ولا يتعدى عددها أربعة أو خمسة في حين أن المذكرة الوزارية 130 تؤكد على وجوب ثمانية أقسام لكل أستاذ متخصص. هذا الفراغ القانوني المهول استغلته بعض المديريات الإقليمية لتفرض على أساتذة وأستاذات اللغة الأمازيغية التنقل بين مؤسستين أو أكثر لاستكمال الحصيص الزمني الخاص باللغة الأمازيغية.
إن اعتماد صيغة “الأستاذ المتخصص” في السلك الابتدائي منذ سنة 2012، تمخضت عنه عدة تشنجات بين مختلف الفاعلين في الحقل التربوي، أساتذة، مديرين، مفتشين… بسبب الثغرات والفجوات القانونية والتشريعية المتعلقة بهذه المادة من جهة، والتعارض بين المنهاج الدراسي للسلك الابتدائي الذي يعتبر أستاذ اللغة الأمازيغية شأنه شأن أستاذ التعليم الابتدائي “تخصص مزدوج”، والمذكرات الوزارة الخاصة بتدريس اللغة الأمازيغية من جهة ثانية. دون مراعاة لظروف العمل والوضعية التي يعيشها أستاذ اللغة الأمازيغية داخل المؤسسة بسبب تنقله بين الحجرات الدراسية بدون توقف، ناهيك عن عدد الأفواج المُسندة إليه.
عادت الوزارة بتاريخ 19 أبريل 2024 عبد المذكرة الوزارية رقم 152X24، إلى تكرار تجربة 2003 التي باءت بالفشل، عبر تدريس اللغة الأمازيغية بصيغة “الأستاذ المكلف” وتكوين حوالي 4000 أستاذا للتخصص المزدوج الناطقين بالأمازيغية خلال الموسمين الدراسيين 2023-2024، و 2024-2025، الشيء الذي يوحي بالقضاء على الأستاذ المتخصص في اللغة الأمازيغية بالسلك الابتدائي بشكل كلي. والسؤال المطروح هنا هو:
ما مصير الأساتذة والأستاذات خريجي المراكز الجهوية للتربية والتكوين المتخصصين في هذه المادة ؟!
خلال تجربتنا المتواضعة في تدريس اللغة الأمازيغية لثلاث سنوات متتالية بالسلك الابتدائي، يمكننا التأكيد على أن التدريس وفق “الأستاذ المتخصص” بالسلك الابتدائي مشروع مستبعد النجاح في ظل عدم وجود أرضية مناسبة لتنفيذ هذا المشروع، لا سيما الجانب المتعلق بالزمن المدرسي الغير كافي بتاتا والمُحدد في ثلاث ساعات أسبوعية لكل فوج. عكس الأسلاك الاخرى التي تتوفر على أرضية مهيأة لتدريس وفق هذه الصيغة بكل أريحية وبدون مشاكل.
إن تعميم اللغة الأمازيغية على باقي الأسلاك التعليمية الأخرى ما بعد المستوى السادس ابتدائي، هو خيار استراتيجي وصائب وذلك لعدة اعتبارات أهمها:
أولا: وجود أرضية مناسبة لإدراجها ضمن المواد الدراسية الأخرى بدون تناقضات على مستوى الزمن المدرسي الأسبوعي المخصص لكل مادة.
ثانيا: تفاعل التلاميذ والتلميذات مع محتويات المنهاج الدراسي للغة الأمازيغية سيكون أكثر فعالية وبشكل سريع جدا وبطريقة سلسة،
سيطبعها الاهتمام أحياناً والدهشة اللغوية التي أحياناً أخرى، وذلك لاكتشافهم لغة جديدة ولأول مرة منذ ولوجهم باب المدرسة.
ثالثا: إعداد وتهييئ المتعلمين والمتعلمات لما بعد البكالوريا لمتابعة دراستهم الجامعية في شعبة الدراسات الأمازيغية وآدابها أو في إحدى المسالك الجامعية للتربية باللغة الأمازيغية.
وفي الأخير.. يجب التأكيد على ضرورة التعجيل في إعداد المنهاج الدراسي الخاص باللغة الأمازيغية لسلكي الثانوي الإعدادي والتأهيلي ومنح الوقت الكافي لإعداد الكتب المدرسية وتعميمها أفقيا وعموديا على المستوى الوطني بدون استثناء، وإحداث تخصص خاص بها في السلك الثانوي… وذلك لتحقيق التعميم الفعلي لهذه المادة في كافة الأسلاك التعليمية الثلاثة، والرقي بها على كافة الأصعدة والمستويات لتمكينها مؤسساتيا وإيلائها المكانة التي تستحقها اجتماعيا، باعتبارها لغة رسمية للدولة شأنها شأن اللغة العربية.
كاتب المقال: وليد البورماقي
أستاذ اللغة الأمازيغية بمديرية المضيق الفنيدق.
طالب باحث بسلك الماستر بجامعة عبد المالك السعدي – تطوان.